كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {ثُبُورًا واحِدًا} (13) الثبور مصدر، فلذلك قال: {ثُبُورًا كَثِيرًا} لأن المصادر لا تجمع:
ألا ترى أنك تقول: قعدت قعودا طويلا، وضربته ضربا كثيرا فلا تجمع. والعرب تقول: ما ثبرك عن ذا؟ أي ما صرفك عنه. وكأنهم دعوا بما فعلوا، كما يقول الرجل: وا ندامتاه.
وقوله: {كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُلًا} (16) يقول: وعدهم اللّه الجنّة فسألوها إيّاه في الدنيا إذ قالوا {رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ} يريد على ألسنة رسلك، وهو يوم القيامة غير مسئول. وقد يكون في الكلام أن تقول: لأعطينّك ألفا وعدا مسئولا أي هو واجب لك فتسأله لأن المسئول واجب، وإن لم يسأل كالدّين.
وقوله: {سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ} (18).
قالت الأصنام: ما كان لنا أن نعبد غيرك فكيف ندعو إلى عبادتنا! ثم قالت: ولكنك يا ربّ متّعتهم بالأموال والأولاد حتّى نسوا ذكرك. فقال اللّه للآدميين {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} يقول: {كذّبتكم الآلهة بما تقولون} وتقرأ {بما يقولون} بالياء والتّاء فمن قرأ بالتّاء فهو كقولك كذّبك يكذّبك. ومن قرأ بالياء قال: كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعة على نصب النون في {نَتَّخِذَ} إلا أبا جعفر المدنىّ فإنه قرأ {أن نتّخذ} بضم النون {من دونك} فلو لم تكن في الأولياء {من} كان وجها جيّدا، وهو على شذوذه وقلّة من قرأ به قد يجوز على أن يجعل الاسم في {من أولياء} وإن كانت قد وقعت في موقع الفعل وإنما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تدخل {من} في الأسماء لا في الأخبار ألا ترى أنهم يقولون: ما أخذت من شيء وما عندى من شىء، ولا يقولون ما رأيت عبد اللّه من رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد اللّه فجعلوا عبد اللّه هو الفعل جاز ذلك. وهو مذهب أبى جعفر المدنىّ.
وقوله: {قَوْمًا بُورًا} والبور مصدر واحد وجمع والبائر الذي لا شيء فيه. تقول: أصبحت منازلهم بورا أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويقال: رجل بور وقوم بور.
وقوله: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ} (20) {لَيَأْكُلُونَ} صلة لاسم متروك اكتفى بمن المرسلين منه كقيلك في الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعك، ألا ترى أن إنه ليطيعك صلة لمن. وجاز ضميرها كما قال: {وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} معناه- واللّه أعلم- إلا من له مقام وكذلك قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها} ما منكم إلا من يردها، ولو لم تكن اللام جوابا لإنّ كانت إنّ مكسورة أيضا، لأنها مبتدأة، إذ كانت صلة.
وقوله: {وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} كان الشريف من قريش يقول: قد أسلم هذا من قبلى- لمن هو دونه- أفأسلم بعده فتكون له السّابقة فذلك افتتان بعضهم ببعض. قال اللّه {أَتَصْبِرُونَ} قال الفرّاء يقول: هو هذا الذي ترون.
وقوله: {لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} (21).
لا يخافون لقاءنا وهى لغة تهاميّة: يضعون الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحد. من ذلك قول اللّه {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقارًا} أي لا تخافون له عظمة. وأنشدنى بعضهم:
لا ترتجى حين تلاقى الذائدا ** أسبعة لاقت معا أم واحدا

يريد: لا تخاف ولا تبالي. وقال لآخر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وحالفها في بيت نوب عوامل

يقال: نوب ونوب. ويقال: أوب وأوب من الرجوع قال الفراء: والنّوب ذكر النحل.
وقوله: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} جاء العتوّ بالواو لأنه مصدر مصرّح. وقال في مريم {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} فمن جعله بالواو كان مصدرا محضا. ومن جعله بالياء قال: عات وعتىّ فلمّا جمعوا بنى جمعهم على واحدهم. وجاز أن يكون المصدر بالياء أيضا لأن المصدر والأسماء تتّفق في هذا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعودا. فلمّا استويا هاهنا في القعود لم يبالوا أن يستويا في العتو والعتىّ.
وقوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ} (22) اليوم ليس بصلة للبشرى فيكون نصبه بها. ولكنك مضمر للفاء كقيلك في الكلام: أمّا اليوم فلا مال. فإذا ألقيت الفاء فأنت مضمر لمثل اليوم بعد لا. ومثله في الكلام: عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت عندنا لم يجز. وإن أضمرت عندنا ثانية بعد لا مال صلح ألا ترى أنّك لا تقول: زيدا لا ضارب يا هذا كما تقول: لا ضارب زيدا.
وقوله: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} حراما محرّما أن يكون لهم البشرى. والحجر: الحرام، كما تقول: حجر التاجر على غلامه، وحجر على أهله. وأنشدنى بعضهم:
فهممت أن ألقى إليها محجرا ** ولمثلها يلقى إليه المحجر

قال الفراء: ألقى وإلقى من لقيت أي مثلها يركب منه المحرّم.
وقوله: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} (23) عمدنا بفتح العين: {فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُورًا} أي باطلا، والهباء ممدود غير مهموز في الأصل يصغر هبىّ كما يصغر الكساء كسىّ. وجفاء الوادي مهموز في الأصل إن صغّرته قلت هذا جفىء. مثل جفيع ويقاس على هذين كلّ ممدود من الهمز ومن الياء ومن الواو.
وقوله: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} (24) قال: بعض المحدّثين يرون أنه يفرغ من حساب الناس في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار. فذلك قوله: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا: هذا أحمق الرّجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون لا نقول: هذا أعقل الرجلين إلا العاقلين تفضّل أحدهما على صاحبه. وقد سمعت قول اللّه {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} فجعل أهل الجنة خيرا مستقرا من أهل النّار، وليس في مستقرّ أهل النار شيء من الخير فاعرف ذلك من خطائهم.
وقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ} (25) ويقرأ {تَشَقَّقُ} بالتشديد وقرأها الأعمش وعاصم {تَشَقَّقُ السَّماءُ} بتخفيف الشين فمن قرأ تشّقّق أراد تتشقق بتشديد الشين والقاف فأدغم كما قال: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى} ومعناه- فيما ذكروا- تشقّق السماء عن الغمام الأبيض ثم تنزل فيه الملائكة وعلى وعن والياء في هذا الموضع بمعنى واحد لأنّ العرب تقول:
رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، يراد به معنى واحد.
وقوله: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} (29) يقال: النبىّ ويقال: القرآن. فيه قولان.
وقوله: {وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) متروكا.
ويقال: إنهم جعلوه كالهذيان والعرب تقول هجر الرجل في منامه إذا هذى أو ردّد الكلمة.
وقوله: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} (31) يقول: جعلنا بعض أمّة كل نبىّ أشدّ عليه من بعض وكان الشديد العداوة للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم أبو جهل بن هشام.
وقوله: {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ} (32) يقال: إنها من قول المشركين.
أي هلا أنزل عليه القرآن جملة، كما أنزلت التوراة على موسى. قال اللّه {وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا} لنثبّت به فؤادك. كان ينزّل الآية والآيتين فمكان بين نزول أوله وآخره عشرون سنة {وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا} نزّلناه تنزيلا.
ويقال: إن {كذلك} من قول اللّه، انقطع الكلام من قيلهم {جملة واحدة} قال اللّه: كذلك أنزلناه يا محمّد متفرقا لنثبّت به فؤادك.
وقوله: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) بمنزلة قوله: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} في معنى الكلام والنصب.
وقوله: {فَقُلْنَا اذْهَبا} (36) وإنما أمر موسى وحده بالذهاب في المعنى، وهذا بمنزله قوله: {نَسِيا حُوتَهُما}، وبمنزلة قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} وإنما يخرج من أحدهما وقد فسّر شأنه.
وقوله: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ} (37) نصبتهم بأغرقناهم وإن شئت بالتدمير المذكور قبلهم.
{وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا} (38) منصوبون بالتدمير قال الفراء يقال: إن الرسّ بئر.
وقوله: {وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيرًا} (39) أهلكناهم وأبدناهم إبادة.
وقوله: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} (43) كان أحدهم يمرّ بالشيء الحسن من الحجارة فيعبده فذلك قوله: {اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ}.
وقوله: {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (45) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقوله: {وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا} يقول دائما. وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} يقول: إذا كان في موضع شمس كان فيه قبل ذلك ظلّ، فجعلت الشمس دليلا على الظلّ.
{ثمّ قبضناه إلينا قبضا يسيرا} (46) يعنى الظلّ إذا لحقته الشمس قبض الظلّ قبضا يسيرا، يقول: هيّنا خفيّا.
وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْرًا} (48) قرأ أصحاب عبد اللّه {الرياح} ثلاثة مواضع.
منها حرفان في قراءتنا، وحرف في النحل وليس في قراءتنا، مكان قوله: {وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ} {والرياح مسخّرات بأمره} وهذا واحد يعنى الذي في الفرقان. والآخر في الروم {الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ} وكان عاصم يقرأ ما كان من رحمة الرياح وما كان من عذاب قرأه ريح.
وقد اختلف القراء في الرحمة فمنهم من قرأ الرّيح ومنهم من قرأ الرياح ولم يختلفوا في العذاب بالريح ونرى أنهم اختاروا الرياح للرحمة لأن رياح الرّحمة تكون من الصّبا والجنوب والشّمال من الثلاث المعروفة. وأكثر ما تأتى بالعذاب وما لا مطر فيه الدّبور لأن الدّبور لا تكاد تلقح فسمّيت ريحا موحّدة لأنها لا تدور كما تدور اللواقح.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال حدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا {نشرا} وقد قرأت القراء {نشرا} و{نشرا} وقرأ عاصم {بُشْرًا} حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى قيس عن أبى إسحاق عن أبى عبد الرحمن أنه قرأ {بشرا} كأنه بشيرة وبشر.
وقوله: {وَأَناسِيَّ كَثِيرًا} (49) واحدهم إنسىّ وإن شئت جعلته إنسانا ثم جمعته أناسىّ فتكون الياء عوضا من النون والإنسان في الأصل إنسيان لأن العرب تصغره أنيسيان. وإذا قالوا: أناسين فهو بيّن مثل بستان وبساتين، وإذا قالوا {أَناسِيَّ كَثِيرًا} فخفّفوا الياء أسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه مثل قراقير وقراقر، ويبيّن جواز أناسى بالتخفيف قول العرب أناسية كثيرة ولم نسمعه في القراءة.
وقوله: {وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخًا} (53) البرزخ: الحاجز، جعل بينهما حاجزا لئلا تغلب الملوحة العذوبة.
وقوله: {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} من ذلك أي حراما محرّما أن يغلب أحدهما صاحبه.
وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (54) فأمّا النسب فهو النسب الذي لا يحلّ نكاحه، وأمّا الصّهر فهو النسب الذي يحلّ نكاحه كبنات العمّ والخال وأشباههن من القرابة التي يحلّ تزويجها.
وقوله: {وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيرًا} (55) المظاهر المعاون والظهير العون.
وقوله: {قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ} (60) ذكروا أنّ مسيلمة كان يقال له الرحمن، فقالوا: ما نعرف الرّحمن إلّا الذي باليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب، فأنزل اللّه {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}.
وقوله: {أَنَسْجُدُ لِما يأمرنا} و{تَأْمُرُنا} فمن قرأ بالياء أراد مسيلمة: ومن قرأ بالتاء جاز أن يريد مسيلمة أيضا ويكون للأمر أنسجد لأمرك إيانا ومن قرأ بالتّاء والياء يراد به محمد صلّى اللّه عليه وسلم، وهو بمنزلة قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} و{سيغلبون} والمعنى لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم.